موقف العلماء من السنة النبوية
العلماء تجاه السنة النبوية فريقان. فريق يعدها مصدراً للتشريع بعد القرآن ومن علماء هذا الفريق من يغلو فيقول: إن فى القرآن آيات من أحكام التشريع يجب أن يقرأها الناس ولا يعملون بها لأن النبى صلى الله عليه وسلم نطق بكلام ناسخ للعمل بها، ومن ذلك آية (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا..الخ)
فقد روى القرطبى فى تفسيرها ما نصه: " وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام: " أكل كل ذى ناب من السباع حرام " أخرجه مالك.
ومن حججهم قول الله تعالى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة 92]
وفريق لا يعد السنة مصدراً للتشريع بعد القرآن.
ومن حججهم فى الرد على الفريق الأول ما يلى:
الحجة الأولى: إن القرآن قطعى الثبوت، ولا يجوز لأحد أن ينكر حرفا منه، وفيه تبيان كل شيء، فكيف جاز لكم أن تخصصوا عامه وتقيدوا مطلقه وتفصلوا مجمله بحديث يرويه رجل عن آخر، أو حديثين أو ثلاثة، مع أنكم لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه فى الصدق والحفظ من أن يغلط وينسى ويخطئ فى حديثه؟ فهل يستساغ بعد ذلك أن يقوم خبرهم مقام كتاب الله؟
الحجة الثانية: إنكم لا تستطيعون أن تلزموا شخصا بقبول مثل هذه الأخبار لأن الوهم محتمل فيها، ولا حجة لكم عليه، فمن حق المرء ألا يقبل إلا ما استيقن منه، واعتقد أنه يقين لا ظن فيه، كالقرآن.
الحجة الثالثة: قول الله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام 38] وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل 89]
فهذا يدل على أن الكتاب حوى كل شيء من أمور الدين وبينه وفصله، بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر كالسنة، إلا إذا كان مفرطاً فيه ولم يكن تبيانا، ويلزم على ذلك: الخلف فى وعد الله تعالى وخبره، وهذا محال.
الحجة الرابعة: قول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر 9] فهذا يدل على أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة، ولو كانت حجة وأصلا للتشريع لتكفل بحفظها كالقرآن.
الحجة الخامسة: لو كانت السنة حجة لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بتدوينها ولعمل الصحابة على جمعها حرصا على صيانتها، حتى تصل إلى المسلمين مقطوعا بصحتها لأن ظنى الثبوت لا يصح الاحتجاج به، فقد ذم الله المشركين لاتباعهم الظن، كما جاء فى سورة الأنعام: إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ وفى سورة النجم: وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
ولكنه نهى عن كتابتها، وأمر بمحو ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون. فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله قال: " لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولا حرج. ومن كذب علىّ – قال همام: أحسبه قال: متعمداً – فليتبوأ مقعده من النار "
وأخرج الإمام أحمد فى مسنده من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبى صلى الله عليه وسلم فخرج علينا، فقال: ما تكتبون؟ فقلنا: ما نسمع منك. فقال: " أكتاب مع كتاب الله؟ محصوا كتاب الله وخلصوه " قال: فجمعنا ما كتبناه فى صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار، قلنا: أى رسول الله، أنتحدث عنك؟ قال: نعم، حدثوا عنى لا وحرج. ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "
فهذا نهى صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة، ولو كانت حجة لأمر بكتابتها.
الحجة السادسة: لقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم حجية السنة، ومن ذلك قوله: " إن الحديث سيفشو عنى، فما آتاكم يوافق القرآن فهو عنى وما آتاكم عنى يخالف القرآن فليس منى "
فإذا كان المروى من السنة يثبت حكما شرعيا جديداً فليس عن الرسول، لأنه مخالف للقرآن، وإذا كان المروى يثبت حكما موجودا فى القرآن كانت السنة مؤكدة، والحجة هو للقرآن فقط. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنى لا أحل إلا ما أحل الله فى كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله فى كتابه " فهو عليه السلام لا يأتى بجديد، بل يؤكد ما فى القرآن، والحجة هو القرآن.
الحجة السابعة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة القرآن الكريم، ولم يأمر بكتابة السنة، ليس لأنها قد تختلط بالقرآن بل لأن القرآن وحده هو كتاب العقائد والتشريعات، وأبو بكر رضى الله عنه لما انتهى من جمع القرآن لم يأمر بجمع السنة، والخوف من الاختلاط قد زال فى عهده، بكثرة القراء من جهة وبجمعه من جهة أخرى، ولم يكتبها عمر رضى الله عنه، ولم يكتبها عثمان رضى الله عنه الذى كتب القرآن بلهجة قريش، وأرسل إلى كل مصر من الأمصار نسخة من المصحف، ولم يرسل مع كل نسخة من المصحف أحاديث نبوية، ولم يفعل ذلك على رضى الله عنه. وأما معاوية فإنه اتهم بعض رواة الأحاديث بالكذب، كما حكى عنه البخارى فى شأن كعب الأحبار، فلو كانت الأحاديث حجة فى التشريع لاهتم بها الرسول وأصحابه من بعده. وهل كان المسلمون من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذى اهتم فيه بعض العلماء بالبحث عن السنة، كانوا ناقصى الإيمان لعدم علمهم بالسنة ولعدم عملهم بها؟
تابع فى الجزء التالى ........................
العلماء تجاه السنة النبوية فريقان. فريق يعدها مصدراً للتشريع بعد القرآن ومن علماء هذا الفريق من يغلو فيقول: إن فى القرآن آيات من أحكام التشريع يجب أن يقرأها الناس ولا يعملون بها لأن النبى صلى الله عليه وسلم نطق بكلام ناسخ للعمل بها، ومن ذلك آية (قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا..الخ)
فقد روى القرطبى فى تفسيرها ما نصه: " وقد قيل: إنها منسوخة بقوله عليه السلام: " أكل كل ذى ناب من السباع حرام " أخرجه مالك.
ومن حججهم قول الله تعالى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة 92]
وفريق لا يعد السنة مصدراً للتشريع بعد القرآن.
ومن حججهم فى الرد على الفريق الأول ما يلى:
الحجة الأولى: إن القرآن قطعى الثبوت، ولا يجوز لأحد أن ينكر حرفا منه، وفيه تبيان كل شيء، فكيف جاز لكم أن تخصصوا عامه وتقيدوا مطلقه وتفصلوا مجمله بحديث يرويه رجل عن آخر، أو حديثين أو ثلاثة، مع أنكم لا تبرئون أحدا لقيتموه وقدمتموه فى الصدق والحفظ من أن يغلط وينسى ويخطئ فى حديثه؟ فهل يستساغ بعد ذلك أن يقوم خبرهم مقام كتاب الله؟
الحجة الثانية: إنكم لا تستطيعون أن تلزموا شخصا بقبول مثل هذه الأخبار لأن الوهم محتمل فيها، ولا حجة لكم عليه، فمن حق المرء ألا يقبل إلا ما استيقن منه، واعتقد أنه يقين لا ظن فيه، كالقرآن.
الحجة الثالثة: قول الله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام 38] وقوله: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل 89]
فهذا يدل على أن الكتاب حوى كل شيء من أمور الدين وبينه وفصله، بحيث لا يحتاج إلى شيء آخر كالسنة، إلا إذا كان مفرطاً فيه ولم يكن تبيانا، ويلزم على ذلك: الخلف فى وعد الله تعالى وخبره، وهذا محال.
الحجة الرابعة: قول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر 9] فهذا يدل على أن الله تكفل بحفظ القرآن دون السنة، ولو كانت حجة وأصلا للتشريع لتكفل بحفظها كالقرآن.
الحجة الخامسة: لو كانت السنة حجة لأمر النبى صلى الله عليه وسلم بتدوينها ولعمل الصحابة على جمعها حرصا على صيانتها، حتى تصل إلى المسلمين مقطوعا بصحتها لأن ظنى الثبوت لا يصح الاحتجاج به، فقد ذم الله المشركين لاتباعهم الظن، كما جاء فى سورة الأنعام: إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ وفى سورة النجم: وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا
ولكنه نهى عن كتابتها، وأمر بمحو ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون. فقد روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله قال: " لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولا حرج. ومن كذب علىّ – قال همام: أحسبه قال: متعمداً – فليتبوأ مقعده من النار "
وأخرج الإمام أحمد فى مسنده من حديث أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبى صلى الله عليه وسلم فخرج علينا، فقال: ما تكتبون؟ فقلنا: ما نسمع منك. فقال: " أكتاب مع كتاب الله؟ محصوا كتاب الله وخلصوه " قال: فجمعنا ما كتبناه فى صعيد واحد، ثم أحرقناه بالنار، قلنا: أى رسول الله، أنتحدث عنك؟ قال: نعم، حدثوا عنى لا وحرج. ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "
فهذا نهى صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم عن كتابة السنة، ولو كانت حجة لأمر بكتابتها.
الحجة السادسة: لقد ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم حجية السنة، ومن ذلك قوله: " إن الحديث سيفشو عنى، فما آتاكم يوافق القرآن فهو عنى وما آتاكم عنى يخالف القرآن فليس منى "
فإذا كان المروى من السنة يثبت حكما شرعيا جديداً فليس عن الرسول، لأنه مخالف للقرآن، وإذا كان المروى يثبت حكما موجودا فى القرآن كانت السنة مؤكدة، والحجة هو للقرآن فقط. وقوله صلى الله عليه وسلم: " إنى لا أحل إلا ما أحل الله فى كتابه، ولا أحرم إلا ما حرم الله فى كتابه " فهو عليه السلام لا يأتى بجديد، بل يؤكد ما فى القرآن، والحجة هو القرآن.
الحجة السابعة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بكتابة القرآن الكريم، ولم يأمر بكتابة السنة، ليس لأنها قد تختلط بالقرآن بل لأن القرآن وحده هو كتاب العقائد والتشريعات، وأبو بكر رضى الله عنه لما انتهى من جمع القرآن لم يأمر بجمع السنة، والخوف من الاختلاط قد زال فى عهده، بكثرة القراء من جهة وبجمعه من جهة أخرى، ولم يكتبها عمر رضى الله عنه، ولم يكتبها عثمان رضى الله عنه الذى كتب القرآن بلهجة قريش، وأرسل إلى كل مصر من الأمصار نسخة من المصحف، ولم يرسل مع كل نسخة من المصحف أحاديث نبوية، ولم يفعل ذلك على رضى الله عنه. وأما معاوية فإنه اتهم بعض رواة الأحاديث بالكذب، كما حكى عنه البخارى فى شأن كعب الأحبار، فلو كانت الأحاديث حجة فى التشريع لاهتم بها الرسول وأصحابه من بعده. وهل كان المسلمون من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عهد عمر بن عبد العزيز الذى اهتم فيه بعض العلماء بالبحث عن السنة، كانوا ناقصى الإيمان لعدم علمهم بالسنة ولعدم عملهم بها؟
تابع فى الجزء التالى ........................